سياسي

الفرصة الأخيرة

التكتل الوطني للأحزاب الان يشق طريقاً نحو مرحلة ما بعد الحوثيين، نحو استعادة الدولة وعودة الحياة إلى طبيعته

صفوان سلطان
الفرصة الأخيرة

ها هو المجتمع الدولي، بعد طول غفوة، يستفيق على وقع خطر ميليشيات الحوثي، التي لم يعد تهديدها محصوراً في اليمن أو الإقليم، بل أضحى يتجاوز ذلك ليشكل خطراً على الأمن والسلم العالميين. طيلة عقد كامل، كان هذا المجتمع يغضّ الطرف، بل ويمدّ يد الحماية للحوثيين، في مشهد يذكرنا بمن يربي الثعابين في حديقته معتقداً أنه يستطيع التحكم بها. مثال على ذلك اتفاق ستوكهولم، الذي حال دون استكمال الجيش اليمني وقوات المقاومة الوطنية وألوية العمالقة تحرير مدينة الحديدة.

كان الحوثي في نظر المجتمع الدولي طيلة السنوات الماضية خطراً يمكن احتواؤه، وأداة تتيح استنزاف دول التحالف ودول جوار اليمن، محققاً بذلك مكاسب ضخمة من بيع الأسلحة وتدفقات مالية. لكن المعايير تبدلت، إذ دفع الحوثيون بغرورهم إلى اتباع إيران بكل وضوح وإلى التحالف مع أطراف أخرى، ليصبح هذا التهديد كالنار التي قد لا يُبقي ركامها شيئاً، ويمتد ليشمل الأمن الإقليمي والدولي بأسره.

أدرك العالم اليوم أن سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب والممرات التجارية في المحيط الهندي والبحر الأحمر تمثل خطراً أشد فتكاً حتى من تهديدات إيران النووية. لقد تغيرت لغة الخطاب الدولي، إذ تخلت عن مصطلح “أنصار الله” وبدأت تُشير إلى الحوثيين بصفتهم ميليشيات مدعومة من إيران.

في خضم هذا التحول الإيجابي، جاء تأسيس التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، برعاية دولية لم تأت من فراغ، بل من حاجة حقيقية لحامل سياسي متماسك يضم القوى اليمنية الفاعلة، يجمع صفوفها ويوحد كلمتها، لتكون صوتاً يواجه الحوثيين ويقف ضد انقلابهم على الدولة. إن الحوثي اليوم ليس سوى ذراع إيرانية تتحرك وتضرب حيثما يريد داعمها، تحترق ساحات اليمن بنيرانها بينما تبقى إيران بعيدة عن لهيب هذه الحروب.

إن الخطاب السياسي الموحد التي طال انتظاره، هي ما افتقدته الشرعية نتيجة التناحرات الداخلية، تلك التصدعات التي أضعفتها، فأصبحت شجرة بلا جذور، تنهشها عواصف الحوثي وتعصف بها رياح الفوضى.

على التكتل الوطني الآن أن يشق طريقاً نحو مرحلة ما بعد الحوثيين، نحو استعادة الدولة وعودة الحياة إلى طبيعتها، بعد أن خنقها الكهنوت الحوثي لعقد من الزمن. يجب أن تكون هذه الرؤية شاملة وحكيمة، تعالج كافة القضايا الوطنية، وفي مقدمتها القضية الجنوبية، باعتبارها مفتاحاً لاستقرار اليمن بأسره، وتضع ضماناتٍ لإعادة اليمن إلى مكانته كعنصرٍ استقرار للمنطقة والعالم.

من واقع مشاركتي في إعداد هذا التكتل الوطني، أؤكد أنها الفرصة الأخيرة التي تُتاح للقوى السياسية الداعمة للشرعية كي تُلملم صفوفها، وتزيح خلافاتها الجانبية، وترمي بثقلها تجاه العدو الأول لليمن، ميليشيات الحوثي. إن ضاعت منا هذه اللحظة المصيرية، فقد يرفع المجتمع الدولي والإقليمي يده عن الشرعية، تاركاً إياها وحيدة في مواجهة هذا الخطر.

على القوى السياسية إدراك أهمية هذه الفرصة وعدم التفريط بها. عليهم التحرك لإنقاذ الوطن والمواطن الذي سحقته وطأة الانهيار الاقتصادي والخدمي. فاليمن اليوم، كالسفينة المثقلة، يحتاج لكل ساعدٍ وعقل كي يصل إلى بر الأمان قبل أن تدهمه العواصف.